
مقدمة
ألقى مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، خطابًا في 20 أبريل 2025 تضمن عدة مزاعم حول سير المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها. يأتي هذا الخطاب في سياق حملة جوية أمريكية مكثفة ضد الحوثيين في اليمن منذ منتصف مارس 2025، ردًا على هجمات شنها الحوثيون على الملاحة الدولية وأهداف مرتبطة بإسرائيل تحت شعار التضامن مع غزة. فيما يلي تحليل مفصّل لأبرز الادعاءات التي وردت في خطاب المشاط.
كلمة الرئيس مهدي المشاط خلال ترؤسه اجتماع مجلس الدفاع الوطني – 20-04-2025م pic.twitter.com/cUAHQZcUFa
— الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) April 20, 2025
الادعاء الأول: خروج حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” من الخدمة منذ الأيام الأولى للحملة العسكرية.
الادعاء: زعم المشاط في الدقيقة 02:04 من خطابه أن حاملة الطائرات الأمريكية USS Harry S. Truman خرجت عن الخدمة في الأيام الأولى من “العدوان” الأمريكي على اليمن، مدعيًا أن الحاملة فقدت القيادة والسيطرة واضطرت للانسحاب مبكرًا.
التحقق: لا يوجد أي دليل موثوق يدعم هذا الادعاء. بل على العكس من ذلك، حيث أكد الجيش الأمريكي استمرار عمل مجموعة الحاملة “ترومان” بشكل طبيعي. فقد نشرت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) مقاطع فيديو متعددة وفي تواريخ مختلفة تُظهر إقلاع المقاتلات من على متن Harry Truman لتنفيذ ضربات ضد الحوثيين في اليمن، ما ينفي مزاعم المشاط حول تعطل الحاملة. كما نشر قبطان الحاملة Chowdah Hill فيديوهات بشكل مستمر تؤكد عمل حاملة الطائرات بشكل طبيعي. كما أعلنت القيادة الأمريكية وصول حاملة طائرات إضافية (USS Carl Vinson) إلى منطقة العمليات، ما يشير إلى توسيع الحملة لا تعويض خسارة حاملة عاملة.
ضربات جوية على مدار الساعة من حاملة الطائرات يو إس إس هاري إس. ترومان (CVN 75) ويو إس إس كارل فينسن (CVN 70) على عدة مواقع للحوثيين المدعومين من إيران…#الحوثيون_إرهابيون pic.twitter.com/yIW4WNnw3v
— U.S. Central Command (@CENTCOMArabic) April 15, 2025
بناءً على المعطيات المتوفرة، تبقى USS Truman في الخدمة الفعلية وتواصل عملياتها القتالية، مما يجعل تصريح المشاط بشأن خروجها عن الخدمة ادعاءً مضللًا وغير صحيح.
الادعاء الثاني: جميع ضحايا القصف الأمريكي في اليمن هم من المدنيين
الادعاء: ادعى المشاط في الدقيقة 17:06 من خطابه أن كل من سقط جراء الضربات الجوية الأمريكية في اليمن هم مدنيون أبرياء.
التحقق: هذا الادعاء مبالغ فيه ولا يعكس الواقع الكامل. من المؤكد أن الحملة الأمريكية خلفت خسائر مؤلمة في صفوف المدنيين اليمنيين، خاصة عند قصف مواقع قريبة من تجمعات سكانية أو منشآت خدمية. على سبيل المثال، أدت ضربة أمريكية استهدفت ميناء رأس عيسى النفطي إلى ارتقاء ما لا يقل عن 74 شخصاً و171 جريحًا، بينهم عمال في الميناء ومسعفون . غير أن وصف جميع الضحايا بأنهم مدنيون يتجاهل حقيقة أن الكثير من الضربات وُجِّهت لمواقع عسكرية حوثية وأصابت مقاتلين وهذا ما يشير إليه تشييع عدد من المقاتلين الحوثيين. على سبيل المثال، قُتل عشرات المقاتلين الحوثيين في إحدى الضربات الأمريكية على تجمع لهم (ادعى الحوثيون أنه “لقاء قبلي”)، لكن السلطات الحوثية لم تنشر أسماء القتلى ولم تعرض صورًا لهم، ولم تتحدث عنهم إلا بعد أن نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيديو يظهر الاستهداف، ما اضطر الحوثيون للتصريح حول الحادثة والاكتفاء بوصفهم كضحايا مدنيين دون أي إثبات.
هذا الأسلوب الدعائي يجعل من الصعب تقييم نسبة الخسائر المدنية بدقة. واقع الأمر أن بعض الضربات الأمريكية أصابت مدنيين بالفعل وتسببت بمآسٍ إنسانية، لكن ليس كل الضحايا مدنيين؛ فقد تكبّد الحوثيون أيضًا خسائر في كوادرهم العسكرية ومنشآتهم، حتى لو لم يعترفوا بذلك صراحة.
رصد فريق صدق الميداني صورة لقيادي حوثي قضى جراء الغارات الأمريكية.

هذا وقد أعلن الحوثيون تشييع عدد من قتلاهم، كما أعلنته قناة المسيرة.
🎥 شاهد | تشييع كوكبة من شهداء اليمن في عدد من المحافظات 26-10-1446هـ 24-04-2025م
🔷 تقرير: محمد الجبلي#شهداؤنا_عظماؤنا #معركة_الفتح_الموعود_والجهاد_المقدس #شاهد_المسيرة pic.twitter.com/TSZgTIrkLM
— شاهد المسيرة (@ShahidAlmasirah) April 24, 2025
وعليه، فإن تعميم المشاط بأن جميع القتلى مدنيون يُعد تضليلًا.
الادعاء الثالث: نجاح الحوثيين في شلّ أو إرباك قدرات أمريكا العسكرية
الادعاء: أشار المشاط في خطابه في أكثر من مناسبة منها في الدقيقة 15:45 و 16:50 بأن جماعته تمكنت من شل قدرات الولايات المتحدة العسكرية أو إرباكها بشكل كبير في هذه المواجهة، هذه القدرات التي تباهي بها أمريكا أمام العالم. تحدث عن “إحراق كل الأوراق” الأمريكية وعن أن الحوثيين لم يتأثروا عسكريًا “حتى بنسبة 1%”، في إشارة إلى أن الهجمات الأمريكية فشلت في إضعاف قوتهم، وإرباك المخططات العسكرية الأمريكية.
التحقق: لا تؤيد الوقائع الميدانية هذا الطرح. فبالرغم من الروح المعنوية التي يحاول المشاط إشاعتها، لم تظهر أي علامات على أن الحوثيين تمكنوا من تعطيل آلة الحرب الأمريكية أو شل فعاليتها. على العكس؛ واصلت الولايات المتحدة تصعيد ضرباتها اليومية تقريبًا على مدى أسابيع، وضربت خلالها أكثر من 100 هدف في مناطق الحوثيين منذ 15 مارس حتى مطلع أبريل. واعترف الحوثيون أنفسهم بأن الجيش الأمريكي شن قرابة ألف غارة منذ 15 مارس 2025. وأكد مسؤول في البنتاغون أن تلك الضربات دمرت العديد من مرافق القيادة والسيطرة لدى الحوثيين، ومنشآت تصنيع أسلحة ومواقع تخزين أسلحة متقدمة. هذه الخسائر العسكرية تفند مزاعم الحوثيين بأنهم “لم يتأثروا” مطلقًا، على الرغم من التكتم الشديد.
جماعة أنصار الله: أمريكا شنت ألف غارة على اليمن منذ منتصف مارس pic.twitter.com/JuVSB8p9LE
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 22, 2025
أما من جهة الولايات المتحدة، فلا توجد أدلة على تكبدها خسائر أو تعطيل يُذكر. لم تُسجل أي إصابة قاتلة لأفراد الجيش الأمريكي في هذه العمليات، ولم تفقد واشنطن أي قطعة حربية أساسية (سفن حربية أو طائرات مقاتلة/قاذفة) خلال الحملة. صحيح أن الحوثيين حاولوا الرد بهجمات مضادة – إذ استمروا في إطلاق صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار باتجاه السفن الحربية الأمريكية وإسرائيل أثناء الحملة – لكن بيانات وزارة الدفاع الأمريكية تشير إلى أن جميع تلك الهجمات تم اعتراضها أو فشلت في تحقيق أهدافها، ولم يستطع الحوثيون إثبات نجاح أي من عملياتهم. في المقابل؛ اضطر الحوثيون لتقليل وتيرة هجماتهم كما اعترف المشاط في خطابه في الدقيقة 16:38، ولم يتمكنوا من منع الولايات المتحدة من تنفيذ خططها العسكرية.
خلاصة الأمر أن ميزان القوة بقِي لصالح القوات الأمريكية التي تمتعت بسيطرة جوية كاملة وقدرة على الضرب في أي وقت، بينما عانى الحوثيون من خسائر وتراجع في القدرة على شن هجمات مؤثرة. لم يحدث “شلل” في القدرات الأمريكية؛ بل استمرت العمليات بوتيرة عالية وباعتراف الإعلام الحوثي. وعليه، اعتبار تصريحات المشاط حول إرباك أو شل القوات الأمريكية مبالغة دعائية غير مدعومة بالحقائق الميدانية.
الادعاء الرابع: الضربات الأمريكية كانت ردّة فعل على موقف الحوثيين من غزة فقط
الادعاء: أكد المشاط في خطابه في الدقيقة 03:10 أن الهجوم الأمريكي على اليمن جاء فقط كرد فعل على موقف الحوثيين الداعم لغزة. بمعنى آخر، يوحي بأن الولايات المتحدة استهدفت الحوثيين بسبب تضامنهم السياسي والمعنوي مع الفلسطينيين، وليس بسبب أي تهديد عسكري مباشر منهم.
التحقق: صحيح أن هناك صلة بين تصعيد الحوثيين الأخير والقضية الفلسطينية، لكن الأمر يتجاوز مجرد “موقف” سياسي أو خطاب إعلامي. فالحوثيون منذ أواخر 2023 شرعوا في أعمال عسكرية مباشرة بذريعة نصرة غزة، شملت إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مُسيّرة عبر البحر الأحمر استهدفت سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن لم تكن جميع تلك السفن لها علاقة بإسرائيل كما وضحته منصة صدق في تحقيق سابق لها. هذه الهجمات تعني أن “موقف الحوثيين من غزة” تُرجم عمليًا إلى هجمات مسلحة تهدد الملاحة الدولية وأمن دول المنطقة اقتصادياً وأكثر المتأثرين بذلك قناة السويس في مصر والتي قدرت خسائرها بسبعة مليارات دولار خلال عام 2024 كما صرح أسامة ربيع- رئيس هيئة القناة.
هل استهدف #الحوثيون سفنًا بريئة لا علاقة للشركات المشغلة لها بإسرائيل؟
شاهدوا الفيديو
التقرير الاستقصائي كاملاً في أول تعليق.#منصة_صدق_اليمنية#اليمن pic.twitter.com/GE3YzOv9Zb
— منصة صدق اليمنية (@SidqYem) January 19, 2025
ردّ فعل الولايات المتحدة جاء أساسًا لوقف هذه الهجمات التي اعتُبرت تهديدًا لمصالح حيوية. كما أن الولايات المتحدة لم تتدخل في مواجهة مباشرة مع الحوثيين عندما كانوا يستهدفون إسرائيل، بل تدخلت بعد سنة وخمسة أشهر من بداية الحرب في غزة. تؤكد بيانات البنتاغون وتصريحات المسؤولين الأمريكيين أن الغاية الرئيسية للحملة الجوية كانت حماية حرية الملاحة الدولية وسلامة السفن (بما فيها السفن التجارية وسفن الشحن الإسرائيلية) في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. كما هدفت العمليات الأمريكية إلى إنهاء خطر الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يطلقها الحوثيون ويمكن أن تطال القواعد الأمريكية أو حلفاء واشنطن في المنطقة. بمعنى آخر، الدافع عسكري-أمني بالدرجة الأولى هو كفّ يد الحوثيين عن تهديد الملاحة وضرب الأهداف الإقليمية، وليس مجرد معاقبتهم على إعلان التضامن مع غزة.
بالنتيجة، القول إن الضربات جاءت ردًا على “موقف من غزة فقط” قول مضلل. الواقع أن الأفعال الحوثية العدائية هي التي استدعت الرد. نعم، كان لتضامن الحوثيين مع غزة دور في تحفيز تلك الأفعال العدائية من جانبهم، مما أدخلهم في مواجهة مع الولايات المتحدة، لكن واشنطن استجابت للخطر الأمني المباشر الذي شكلته هجمات الحوثيين على السفن وتهديدهم لمصالح أمريكية وإسرائيلية. أي أن السبب هو تصرفات عسكرية حوثية (مبررة لديهم بنصرة غزة) وليس مجرد إعلان موقف سياسي.
الادعاء الخامس: نجاح إيران في رفع العقوبات عنها
الادعاء: أثنى المشاط في خطابه في الدقيقة 04:38 على ما اعتبره نجاحًا للدبلوماسية الإيرانية، زاعمًا أن إيران حققت اختراقات إيجابية مع خصومها ونجحت في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بفضل حكمتها الدبلوماسية. وبارك لإيران هذا “الإنجاز”، وفق تعبيره.
التحقق: هذا الادعاء لا يتطابق مع الوضع الفعلي للعقوبات على إيران في أبريل 2025. لا شك أن إيران حققت إنجازات دبلوماسية مهمة خلال الفترة الأخيرة: أبرزها استئناف علاقاتها مع المملكة العربية السعودية بوساطة صينية عام 2023 بعد قطيعة طويلة، ما خفف التوتر الإقليمي. كما دخلت طهران في حوارات غير مباشرة مع الولايات المتحدة عبر سلطنة عُمان لبحث تهدئة إقليمية وربما استئناف مفاوضات حول ملفها النووي. غير أن العقوبات الأمريكية الجوهرية على إيران كانت لا تزال قائمة حتى تاريخ خطاب المشاط.
المفاوضات الإيرانية الأمريكية التي جرت في مسقط بوساطة عُمانية، وُصفت بالإيجابية، إلا أنها تركزت على إجراءات محدودة لبناء الثقة مثل تبادل الأسرى واحتمال تقديم تخفيف محدود لبعض العقوبات مقابل تقييدات معينة على البرنامج النووي الإيراني. وقد أكد مصدر مطلع أن البحث شمل “اتفاقات محدودة لرفع جزء من العقوبات بشكل مرحلي” مقابل خطوات من إيران، لكن ذلك كان لا يزال قيد التفاوض ولم يرقَ إلى اتفاق شامل. بل إن إيران نفسها شددت في تصريحات علنية آنذاك على أن رفع العقوبات بشكل مؤثر هو شرط أساسي لأي تقدم، ما يعني أن العقوبات لم تكن قد رُفعت بعد.
بحثنا في المصادر المفتوحة؛ فلم نجد أي إعلان من واشنطن أو الأمم المتحدة حول رفع عقوبات رئيسية عن إيران في تلك الفترة. معظم العقوبات الأمريكية تتطلب إجراءات قانونية وإعلانات رسمية لرفعها، وهو ما لم يوثق حدوثه. كما أن الاتحاد الأوروبي أقر عقوبات على سبعة أفراد وكيانين إيرانيين في يوم 14 أبريل 2025 بسبب اعتقال رعايا من دول الاتحاد.
وعليه، فإن حديث المشاط عن “نجاح إيران في رفع العقوبات” سابق لأوانه ولا يستند لمعطيات فعلية؛ ربما استند إلى تفاؤل نابع من أجواء المفاوضات أو دعاية إيرانية داخلية. في المحصلة، الدبلوماسية الإيرانية نشطت بلا شك وحسّنت موقع إيران التفاوضي إلى حد ما، لكنها لم تحقق بعد رفع العقوبات الأمريكية بشكل مؤكد بحلول أبريل 2025. وبالتالي يعد هذا الادعاء غير دقيق ويفتقر للدعم الواقعي في ذلك الوقت.
خلاصة واستنتاج
شمل خطاب مهدي المشاط تصريحات دعائية تهدف إلى رفع المعنويات الداخلية وتصوير المواجهة مع الولايات المتحدة كمعركة انتصار للحوثيين. التحقق الموضوعي من هذه المزاعم يكشف أن العديد منها مضلل أو غير دقيق عند مقارنته بالوقائع المثبتة في التقارير العسكرية والدولية.
تنويه: تم إعداد هذا التقرير وفقًا لأعلى معايير التحقق المستقل وبما يتماشى مع منهجية منصة صدق اليمنية، ومبادئ شبكة المدققين الدولية (IFCN)، مع الالتزام التام بالحياد والموضوعية. تم تدعيم كل استنتاج بمصادر موثقة، وتم التفريق بين الوقائع المؤكدة والتحليلات التفسيرية، مع عرض الخطاب كاملاً وتحليله في سياقه السياسي والعسكري دون اجتزاء. كما حرصنا على الشفافية في ذكر المصادر، والإنصاف في عرض الأضرار التي تسببت بها الضربات الأمريكية، بما يعزز مصداقية التقرير ويضمن توازنه.
3 تعليقات
جزاكم الله خير على محاربة التضليل والتزوير في زمن انتم فيه شمعة اما الكم الهائل من التضليل و التلفيق وسهولة انتشار الاخبار الكاذبة كان الله في عونكم ونتمنى منكم الاستمرار والوصول الى كافة ابناء الشعب
تحقيق ممتاز
اريده pdf لو سمحت