خلطات التسمين في اليمن – بين الوهم والخطر

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشرت في اليمن ظاهرة خلطات التسمين، وهي منتجات يُزعم أنها طبيعية تعتمد على العسل وتُضاف إليها أعشاب ومواد أخرى لزيادة الوزن بسرعة. ورغم الإقبال الواسع عليها من الشباب والفتيات، إلا أن هذه الخلطات تخفي وراءها مكونات دوائية خطيرة قد تسببت – بحسب شهادات طبية وتقارير علمية – في أضرار جسيمة، من الفشل الكلوي إلى اضطرابات المناعة.

كيف تُصنّع وتُسوَّق هذه الخلطات؟

تعتمد الخلطات بشكل أساسي على العسل، وتُخلط معه أعشاب مثل الحلبة والجينسنغ، إضافة إلى المكسرات وأحيانًا غذاء ملكات النحل. لكن الكارثة تكمن في إضافة مواد دوائية سرًا – مثل الكورتيزون أو حبوب السيبروهيبتادين – للحصول على تأثير سريع.

تباع هذه الخلطات في محلات العسل والعطارة، وتُروّج بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حسابات تجارية تُبرز نتائج مذهلة خلال أيام.

المكونات الخطرة التي كشفتها التحاليل

أكدت تحاليل مخبرية محلية ودولية أن العديد من هذه الخلطات تحتوي على:

• ديكساميثازون: كورتيزون قوي يؤدي إلى احتباس السوائل وتورم الجسم
• سيبروهيبتادين: مضاد هيستامين فاتح للشهية، يؤدي إلى زيادة الوزن، لكنه يسبب النعاس واضطرابات هرمونية
• بيتاميثازون وبريدنيزولون: مواد ستيرويدية ممنوعة في المنتجات غير الموصوفة طبيًا

هذه المواد تُضاف بجرعات عالية وخارج إشراف طبي، ما يعرض المستخدمين لمضاعفات حادة قد تصل إلى الموت.

شهادات من الواقع

تروي “خولة” من تعز أنها استخدمت خلطة تسمين أوصت بها صديقتها، ولاحظت زيادة سريعة في وزنها خلال أسبوعين. لكن ما لبثت أن أصيبت بآلام شديدة في الكلى وتورم، وأكد الأطباء أنها تعرضت لتسمم دوائي كاد أن يُفقدها إحدى كليتيها.

حالة أخرى وثّقتها مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء: وصلت إلى مركز العظام بالمستشفى شابة في أوائل الثلاثينات تعاني من آلام شديدة وصعوبة في تحريك مفاصل الكتف والحوض. وبعد إجراء الفحوص تبين إصابتها بداعِ النخر اللاوعائي في العظام (تموت رأس العظم)، وهو ضرر نادر عادةً ما يظهر لدى كبار السن أو نتيجة تناول طويل الأمد للستيرويدات بجرعات عالية. المدهش أن سبب هذا المرض في حالتها كان استخدام حبوب زيادة الوزن لفترة طويلة، حيث كانت تلك الحبوب جزءًا من خلطة تسمين تناولتها لفترة، واتضح أنها تحتوي على مادة الكورتيزون.

كما نشرت منصة واعي، وهي منصة مجتمعية تهتم بنشر الوعي، منشوراً تحذيرياً من استخدام خلطات التسمين، وقد لاقى ردود فعل كبيرة، وشهادات واقعية من مستخدمين، نذكر بعضها أدناه.

حقيقة والله، زوجة اخي راحة استخدمت خلطة قبل شهرين والان مصابة بهؤلاء الامراض كلها الله يشفيها

أنا أول ضحيه والله وحسبي الله ونعم الوكيل في اللي قعدو يدلوني عليها خسرت صحتي

انا بين اتعالج في مصر بسبب خلطه من هولا تحبس السؤئل لما تعور الكلى والكبد وارتفاع الكورتيزون يسبب ضغط في الدماغ اهم شي بلاوي لهناك لهناك ..الاغلب يشوفها عسل بس مش عارف انو مطحون وسط العسل مواد كيميائيه مثل الجنسنج والكورتيزون

ايوه والله في خلطه اسمها جوجو للتسمين اعلنوا عليها كثير مشاهير بالانستا تسوي اضطرابات هرمونيه بشكل فضيع وبمده بسيطه وجربوها حتى من اهلي وندموا فـ م تصدقوا حد وبلاش خلطات انتو حلوين زيما انتوا

انا اشتغلت في محل عسل وأعشاب 5 سنوات واقلكم خلطات التسمين اللي مفعولها سريع يحطوا فيها حبوب التسمين الصينية اللي تعمل على حبس السوائل بالجسم وتعمل تسمين وهمي ومع الأيام تسبب مشاكل بالكلى والكبد وغيره

رأي الأطباء والمتخصصين

يحذر الأطباء اليمنيون من أن خلطات التسمين الشعبية تُعد “قنابل موقوتة”، ويؤكدون أن الكورتيزونات المضافة تؤثر على:

• العظام والمفاصل (هشاشة ونخر)
• الكلى (قصور أو فشل)
• المناعة (ضعف ومضاعفة خطر العدوى)
• الهرمونات (خلل هرموني عند النساء والرجال)

كما يحذر الصيادلة من شراء الحبوب الصينية أو الخلطات المستوردة عبر الإنترنت، حيث لا توجد رقابة فعلية على ما تحتويه.

موقف الجهات الرسمية

أصدرت وزارة الصحة وهيئة الأدوية في صنعاء وعدن عدة تحذيرات، كان أبرزها:

• حملة 2019 بعنوان: “احذروا السموم القاتلة – لا لخلطات التسمين”
• تحذيرات 2023 من وزارة الصحة بصنعاء من منتجات التسمين (صور من التعميمات أدناه).

لكن رغم هذه التحذيرات، لا تزال الخلطات تُباع بحرية نسبية في الأسواق، في ظل غياب الرقابة الفعلية على المنتجات غير المسجلة.

دراسة تحليلية حديثة تؤكد الغش الدوائي في خلطات التسمين في اليمن

ضمن الأدلة العلمية التي تؤكد وجود مكونات دوائية خطيرة في خلطات التسمين الشائعة في اليمن، نُشرت في يوليو 2024 دراسة علمية محكّمة بعنوان: “الكشف الطيفي عن وجود مادة الديكساميثازون والسيبروهيبتادين في منتجات التسمين المتداولة في عدن، اليمن” (Spectroscopic screening of dexamethasone and cyproheptadine adulteration in weight gaining products marketed in Aden, Yemen)، وأعدّها فريق من كلية الصيدلة بجامعة عدن.

منهجية الدراسة

اعتمد الباحثون على تحليل خمس عينات من منتجات التسمين التي شملت:

• خلطات العسل المعروضة في محلات العطارة
• كبسولات عشبية مستوردة
• أقراص مجهولة المصدر
• بودرة عشبية محلية الصنع

تم استخدام تقنيات التحليل الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية (UV) والأشعة تحت الحمراء (FT-IR) لاكتشاف وجود مادتين دوائيتين شهيرتين:

• الديكساميثازون (DX): وهو كورتيزون صناعي يُستخدم طبيًا تحت إشراف صارم
• السيبروهيبتادين (CPR): وهو مضاد هيستامين ذو تأثير فاتح للشهية

نتائج الدراسة

• تم اكتشاف مادة السيبروهيبتادين (CPR) بنسبة 102.6% في أقراص تروّج على أنها للتسمين، و2.63% في كبسولات عشبية، و0.1% في خلطة عسل.
• كما تم الكشف عن وجود الديكساميثازون بنسبة 102.87% في أحد أنواع الأقراص.
• لم تُذكر أي من هذه المواد ضمن المكونات المُعلنة على عبوات المنتجات.

خطورة النتائج

تؤكد الدراسة أن استخدام هذه المنتجات دون إشراف طبي قد يؤدي إلى:

• فشل كلوي
• اضطرابات هرمونية ومناعية
• هشاشة عظام
• أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم

كما تشير الدراسة إلى أن هذه المنتجات يتم تسويقها عبر الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي دون رقابة، ويتم بيعها بأسعار زهيدة نسبيًا ما يجعلها في متناول الشباب والمراهقين.

التوصيات

خلصت الدراسة إلى ضرورة:

• فرض رقابة صارمة على الأسواق ومحلات العطارة والصيدليات
• منع بيع المنتجات غير المرخّصة
• رفع الوعي المجتمعي بمخاطر هذه المنتجات وضرورة استشارة الأطباء

خلاصة

ما يبدو أنه “خلطة طبيعية للتسمين” قد يكون في الواقع منتجًا يحتوي على مواد دوائية خطرة، تؤدي إلى نتائج مظهرية مؤقتة على حساب الصحة. وبين ضعف الرقابة، وطمع التجار، وغياب الوعي – تبقى أرواح اليمنيين مهددة بمثل هذه المنتجات. الطريق الآمن لزيادة الوزن لا يمر عبر العطارة، بل عبر الطبيب والمختبر والمعلومة الدقيقة.